صرخة في الخلا


فاكر...فاكر قعدتنا في بيتنا،بابا و ماما،وشقاوة أختي تهادة،ضحك اخويا جهاد،جدتي العجوزة الطيبة اللي بحبها جدا..واللي دايما تحكيلي حكاوي زمان...

بيتنا كان ياما كان..كان حلم من الأحلام...كلنا بنحب بعض..دايما مع بعض..ولأني الصغير فأنا حبيب الكل..

نسيت أعرفكم بنفسي،أنا عبدالله،اصغر زهرة في بستان فرحة البيت زى ما كان أبويا دايما يقولي،أنا الضحكة اللي اترسمت على شفايف أمي يوم ما ولدتني،وصرخة جدتي اللي شقت سكون الكون لما مات جدي...أنا قلب تهادة...وابتسامة نصر جهاد بعد المعارك بينه هو وأصحابه مع اليهود،ضفته بالحجارة...وضفتهم بالرصاص،لكن في النهاية يرجع جهاد وأصحابه فرحانين بإنهم قتلوا اتنين جنود إسرائيليين بالحجارة وصابوا خمسة منهم بعد ما مات تلاتة فلسطينيين بالرصاص...

فاكر حكاية أبويا عن يوم ولادتي،قاللي إني الأمل والفرحة في عز وقت الحزن..بعد استشهاد جدي برصاصة خاينة من جندي إسرائيلي،وبعد ما ضاعت الصحبة والجيرة الطيبة،ولا عاد حد عارف مكان حد..ولا عاد في لمة تجمع الكل في سهرة أو فرحة...

جيت أنا الأمل لبكرة وانتصاره،جيت حلم النهاردة في الخلاص،جيت دمعة محبوسة في عيون أم استشهد ولادها بإيد الإسرائيليين،وجيت حسرة الأب اللي مات ابنه بين ايديه...

.....ولدتني أمي....لكني ابن كل الأمهات...

خلقت فيهم الأمل اللي راح مع السنين،ودايما كنت أقول إني البندقية اللي هايخرج منها قنابل الحزن في وسط اليهود،أنا اللي هاخد بتار اللي راحوا..وهانتقم للفرحة اللي ماتت والمدينة اللي اتدمرت...أنا الأمل في بكرة...

صحيت اليوم وأنا ناوي على البسمة..هارسمها في شقوق وش جدتي اللي رسمها قبلي الزمن....وهاكتبها في عيون أمي اللي الخوف انقسم في ملامحها..

لكن حلمي في ثانية اتحول لكابوس فظيع،صوت الرصاص هنا وهناك في كل مكان،الذعر خد مكانه في ملامح أهل بيتي،وأمي تسحبني من إيدي لجّل أدارى في أحضانها،تهادة تصرخ والرعب مالي عنيها،وأبويا احتار ما بين خروجه لصفوف الجهاد،وما بين صراخ أمي اللي بيطالبه بالانتظار،أما جدتي كانت وحيدة في ركن البيت..صوتها عالي بالقرآن والدعا على اليهود.ويخرج جهاد مع أصحابه والحماس يحوطهم،وثورة الانتقام تشدهم...

...وأنا ما أدري إذا كنا في وسط الجحيم..أو صرنا جمرات لهب ما ينطفي...

اتهدم سقف بيتنا وحيطانه...وصرنا في الخلا ما في شئ يحوطنا،غير القنابل،والرصاص أصبح مطر..لا ...سيل حوالينا ييجي من كل مكان..ولا شايف غير النار تعلى وتملاني...

وآخر ما شفته كان جهاد واقف مع صاحبه يواجهوا دبابة إسرائيلية وما في معهم غير الحجارة..دفنت نفسي في حضن أمي وأنا خايف..وأنا غضبان...وآخر ما سمعته بين أصوات الرصاص..صوت أمي وهي تتركني وتجري على أخويا وتصرخ بحرقة:جهااااااااااد...لكن...وينه جهاد؟!!...

ما دريت بحالي غير بعد ساعات-أو بعد أيام-ما بعرف،لكن فتحت عيوني لاقيت حالي بأة الأحزان،إيه اللي أنا شايفه؟!!!..

أول ما شافت عيني كان جهاد...لا..ما هو جهاد،كانت بقايا جهاد...وفوقها أمي وعيونها صارت خلا وصرختها لسة في ملامحها،ما عرفت إذا كان اللي حواليهم دمها أو دم جهاد...ما عاد يفرق...ماتت أمي بحسرتها ولا ماتت بالرصاص!!!...

وكانت تهادة على الأرض وكأنها وردة دبلانة في الخريف..راحت تهادة..راحت شقاوتها..راحت أختي وهي ما تدري إنها راحت...

أما أبويا فلاقيته ماسك بإيده الخنجر وراشقه في قلب جندي إسرائيلي،قبل ما يموت برصاصة..لا..ألف رصاصة في ضهره...

إيه اللي باقي؟!!..مين اللي باقي؟!!...جدتي...جريت هنا وهناك..وناديت عليها بصوت عالي...لكن ما لاقيت رد،ولاقيت في ركن البيت..تحت الحطام،جدتي...ماتت وهي حاضنة صورة جدي الشهيد،وبإيدها ماسكة مصحف..وعنيها للسما بتضحك..وبسمة أمل على ملامحها...

ما دريت إذا كان اللي أنا فيه وهم...ولا حلم هربان من الأحلام؟؟؟...

فجأة صار بيتنا قطعة من نار...راحوا أهلي وتركوني وحيد...كيف راح أعيش وأنا شايف أخر نظرة في عيون أمي وهي مقهورة على أخويا..ودمعة أختي اللي ما لحقت تخرج من جفونها...

وفي الخلا...سمعت صوت جدتي عالي بالقرآن والدعا على الصهاينة...

ما دريت إذا كان هذا صدى صوتها,,,ولا دعاها صار جزء من روحي يفكرني بأحزاني...

ولا حسيت بحالي إلا وأنا راسي مرفوعة للسما وبصرخ..

انجدنا يااااااااااارب....

تعريب وتطوير حسن